فصل: تفسير الآية رقم (48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (37):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [37].
{وَمِنْ آيَاتِهِ} أي: حججه تعالى على خلقه، ودلالته على وحدانيته وعظيم سلطانه.
{اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ} أي: اختلافهما، ومعاقبة كل واحد منها صاحبه: {وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} أي: نورهما وإشراقهما وتقدير منازلهما، واختلاف سيرهما في سمائهما، لبقاء صلاح الكون: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ} لأنهما مسخران بتسخير خالق قادر عليهم، فهما مخلوقان: {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} أي: تفرّدونه بالعبادة. فإن من طاعته أن تخلصوا له العبادة، ولا تشركوا في طاعته أحداً؛ لأنها لا تنبغي لأحد سواه. تنبيه:
استدل بالآية الشيخ أبو إسحاق في المهذب على صلاة الكسوف. قال: لأنه لا صلاة تتعلق بالشمس والقمر غيرها، وأخذ من ذلك تفضيلها على صلاة الاستسقاء، لكونها في القرآن، بخلافها. كذا في الإكليل.

.تفسير الآية رقم (38):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [38].
{فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا} أي: عن عبادته كبراً وعتواً: {فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ} أي: من الملائكة.
{يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} أي: لا يملّون عبادته، لأنها قرة أعينهم، وحياة أنفسهم.

.تفسير الآيات (39- 41):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [39- 41].
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} أي: ساكنة لا حركة لعشب فيها، ولا نبات، ولا زرع: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} أي: اهتزت بالنبات وتحركت بزينته، وربت بارتفاعه على سطحها، أي: صارت ربوة مرتفعة: {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا} أي: هذه الأرض الدارسة، فأخرج منها النبات، وجعلها تهتز بالزرع من بعد يبسها: {لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا} أي: يميلون عن حججنا وأدلتنا، ويزيغون عنها تكذيباً لها، وجحوداً لها: {لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} أي: لإحاطة علمه بهم، وكونه بالمرصاد لهم، فسيجزيهم.
تنبيه:
شملت الآية من بضع الكلام في الآيات على غير مواضعه، كما فسّرها ابن عباس. قال في الإكليل: ففيها الرد على من تعاطى تفسير القرآن بما لا يدل عليه جوهر اللفظ، كما يفعله الباطنية، والاتحادية، والملاحدة، وغلاة المتصوفة: {أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ} أي: بهذا القرآن: {لَمَّا جَاءهُمْ} أي: فهم هالكون. فالخبر محذوف، أو الجملة بدل من جملة: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا}: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} أي: منبع محمي عن التغيير والتبديل، وعن محاكاته بنظير.

.تفسير الآية رقم (42):

{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [42].
{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} أي لا يتطرق إليه البطلان من جهة من الجهات.
قال القاشاني: لا من جهة الحق فيبطله بما هو أبلغ منه وأشد إحكاما في كونه حقا وصدقا. ولا من جهة الخلق فيبطلونه بالإلحاد في تأويله، ويغيرونه بالتحريف لكونه ثابتا في اللوح محفوظا من جهة الحق، كما قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وفيه تمثيل لتشبيهه بشخص حمي من جميع جهاته. فلا يمكن أعداءه الوصول إليه لأنه في حصن حصين من حماية الحق المبين. هذا على أن ما بين يديه وما خلفه، كناية عن جميع الجهات. كالصباح والمساء كناية عن الزمان كله. أو المعنى: لا يتطرق إليه باطل في كل ما أخبر عنه من الأخبار الماضية والآتية. والماضية ما بين يديه، والآتية ما خلفه. أو العكس كما مر {تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} قال ابن جرير: أي هو تنزيل من عند ذي حكمة، بتدبير عباده وصرفهم فيما فيه مصالحهم، محمود على نعمه عليهم بأياديه عندهم.

.تفسير الآية رقم (43):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} [43].
{مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} أي: ما يقول لك كفار قومك، إلا مثل ما قال للرسل كفار قومهم، من الكلمات المؤذية، والمطاعن في الكتب المنزلة، أي: فاصبر كما صبروا: {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} أي: لذنوب التائبين إليه من ذنوبهم، بالصفح عنهم: {وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} أي: لمن أصرّ على كفره وذنوبه، ومات قبل التوبة منها.

.تفسير الآية رقم (44):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [44].
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} أي: بينت أدلته وما فيه، بلسان نعرفه لنفهم ما فيه. قال الزمخشري: كانوا لتعنتهم يقولون: هلا نزل القرآن بلغة العجم؟ فقيل: لو كان كما يقترحون، لم يتركوا الاعتراض والتعنت، وقالوا: لولا فصلت آياته؟ أي: بينت ولخصت بلسان نفقهه: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} الهمزة همزة الإنكار، يعني: لأنكروا وقالوا: أقرآن أعجمي ورسول عربي؟ أو مرسل إليه عربي؟ والمعنى: إن آيات الله على أي: طريقة جاءتهم، وجحدوا فيها متعنتاً؛ لأن القوم غير طالبين للحق، وإنما يتعبون أهواءهم. انتهى.
قال الشهاب: والأعجمي أصله أعجم، ومعناه من لا يفهم كلامه للكنة، أو لغرابة لغته وزيدت الياء للمبالغة. كما في أحمري. ويطلق على كلامه مجازاً. لكنه اشتهر حتى ألحق بالحقيقة. وأما العجمي فالمنسوب إلى العجم. وهم مَن عدا العرب، وقد يخص بأهل فارس، ولغتهم العجمية أيضاً. فبين الأعجمي والعجمي عموم وخصوص وجهي. انتهى.
{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء} أي: وهو للمؤمنين بالغيب هداية تهديهم إلى الحق، وتبصّرهم بالمعرفة، وشفاء يزيل أمراض قلوبهم من الرذائل. كالنفاق والشك، أي: تبصّرهم بطريق النظر والعمل، فتعلمهم وتزكيهم: {وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} أي: لا يسمعونه ولا يفهمونه. بل يشتبه عليهم لاستيلاء الغفلة عليهم، وسد الغشاوات الطبيعية طرق أسماع قلوبهم وأبصارها، فلا ينفذ فيها ولا يتنبهوا بها ولا يتيقظوا: {أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} أي: مثلهم في عدم قبولهم الحق، واستماعهم له، مثل من يُصيّح به من مسافة شاطة، لا يسمع من مثلها الصوت، فلا يسمع النداء. وذلك لبعدهم عن منبع النور الذي يدرك به الحق ويرى. وانهماكهم في ظلمات الهيولى.
قال الشهاب: وجعل النداء من مكان بعيد، تمثيلاً لعدم فهمهم وانتفاعهم بما دُعُوا له. يقال: أنت تنادى من مكان بعيد، أي: لا تفهم ما أقول. وقيل: إنه على حقيقته، وإنهم يوم القيامة ينادون كذلك، تفضيحاً لهم.

.تفسير الآية رقم (45):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} [45].
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ} قال ابن جرير: أي: فاختلف في العمل بما فيه الذين أوتوه من اليهود. وقال ابن كثير: أي: كذب وأوذي، فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} وهي العدة بالقيامة، وفصل الخصومة حينئذ، أي: لولا أنه تعالى قدر الجزاء في الآخرة: {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي: بتعجيل العذاب: {بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} [الكهف: 58]، {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]، {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} أي: موقع للريب والاضطراب لأنفسهم وأتباعهم، لعمى بصائرهم وتبلد عقولهم، وإلا فالحق أجلى من أن يخفى. وقال ابن كثير: أي: وما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم، لما قالوا. بل كانوا شاكّين فيما قالوه، غير محققين لشيء كانوا فيه، هكذا وجّهه ابن جرير. وهو محتمل. والله أعلم.

.تفسير الآية رقم (46):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [46].
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} أي: من عمل بطاعة الله، فائتمرَ لأمره، وانتهى عما نهان، فلنفسه نفعه؛ لأنه يجازى عليه جزاءه الحسن: {وَمَنْ أَسَاء} أي: عمل السيء وعصى.
{فَعَلَيْهَا} ضره؛ لأنه جنى على نفسه بذلك، ما أكسبها سخط الله تعالى والعقاب الأليم و{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} أي: لا يعاقب أحداً إلا بذنبه، ولا يعذب أحداً إلا بقيام الحجة عليه، وإرسال الرسول إليه.

.تفسير الآية رقم (47):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} [47].
{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} أي: لا يعلمها إلا هو. أو المعنى: إذا سئل عنها يقال: الله عالم بها: {وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا} أي: أوعيتها: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} أي: مقروناً بعلمه. قال الزمخشري: يعلم عدد أيام الحمل وساعاته، وأحواله من الخداج، والتمام، والذكورة، والأنوثة، والحسن، والقبح، وغير ذلك: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي} أي: الذين كنتم تشركونهم في عبادتي: {قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} أي: أعلمناك ما منا من يشهد لهم بالشركة ويقرّ بها الآن. فـ: {شَهِيدٍ} فعيل من الشهادة، ونفي الشهادة كناية عن التبرؤ منهم، أو هو منهم إنكار لعبادتها، فيكون كذباً، كقولهم: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23].

.تفسير الآية رقم (48):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ} [48].
{وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ} أي: يعبدون من الأوثان، فلم تنفعهم ولم تدفع عنهم شيئاً: {وَظَنُّوا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ} أي: وأيقنوا يومئذ مالهم من ملجأ يلجأون إليه من عذاب الله.

.تفسير الآية رقم (49):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَاْن مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ} [49].
{لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَاْن مِن دُعَاء الْخَيْرِ} أي: لا يمل من مسألته ربه بالخير، كالمال وصحة الجسم: {وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ} أي: الضرّ في نفسه من سقم أو جهد في معيشته: {فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ} أي: من روح الله ورحمته، ومن أن يكشف ما نزل به. قال الزمخشري: بولغ فيه من طريقين: من طريق بناء فعول، ومن طريق التكرير. والقنوط أن يظهر عليه أثر اليأس فيتضاءل وينكسر.

.تفسير الآية رقم (50):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} [50].
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ} أي: بتفريجها عنه: {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} أي: حقي نلته بعملي، لا بفضل من الله، جحداً للمنعم: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى} أي: للحالة الحسنى من الكرامة، حرصاً ورجماً بالغيب، وتلاعباً بما شاء الهوى: {فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا} أي: فلنخبرن هؤلاء المتمنين على الله الأباطيل، بحقيقة أعمالهم، ولنبصرنّهم عكس ما اعتقدوا فيها: {وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} وهو تخليدهم في النار.

.تفسير الآية رقم (51):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَاْن أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ} [51].
{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَاْن أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ} أي: إذا كشفنا ما به من ضر، ورزقناه غنى، وصحة، وسعة، أعرض عما دعي إليه من الطاعة، وتكبر وشمخ بأنفه عن الإجابة {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ} أي: كثير، يديم تضرعه، ويستغرق في الابتهال أنفاسه. وقد استعير العرض لكثرة الدعاء. كما يستعار له الطول أيضاً. فيقال: أطال فلان الدعاء، إذا أكثر. وكذلك أعرض دعاءه.

.تفسير الآية رقم (52):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [52].
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ} أي: القرآن: {مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ} أي: من غير نظر، واتباع دليل: {مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} أي: من أضل منكم، فوضع الموصول موضع الصلة، شرحاً لحالهم وتعليلاً لمزيد ضلالهم، والشقاق الخلاف، لكون المخالف في شق، وجانب ممن خالفه. قال الشهاب: الآية رجوع لإلزام الطاعنين والملحدين، وختم السورة بما يلفت لفت بدئها، وهو من الكلام المنصف، وفيه حث على التأمل، واستدراج للإقرار، مع ما فيه من سحر البيان. وحديث الساعة وقع في البين تتميماً للوعيد، وتنبيهاً على ما هم عليه من الضلال البعيد.